لا ينبغي أن يتفاجأ المرء إن اعتمد عزّ الدين عليّة الأسلوب الراقي نفسه بالضبط الذي يعتمده في الأزياء لابتكار أوّل عطوره كما في مشاريعه السابقة. مرّة أخرى، اختار سلوكاً صارماً ومتميّزاً يرتكز على ثقة لا يمكن نكرانها ومجازفة كبرى.
في الواقع، تُعد مبادئ Alaïa الجمالية بياناً، إعلاناً حقيقياً لحقوق المرأة. تقول كارلا سوتزاني في هذا السياق: “إذا كان عزّ الدين عليّة ينحت أجسام النساء فذلك لأن علاقة مميّزة تربطه بهنّ، فهو يراهنّ جميلات، يجعلهنّ جميلات، يبعث فيهن الثقة بأجسامهنّ. Sicurezza da bellezza أي الثقة بالجمال كما نقول بالإيطالية”. كان ذلك في الواقع تحوّلاً ثورياً: تخطّى عزّ الدين عليّة حدود الأزياء التقليدية عن طريق إدراج نفسه في الديناميات الاجتماعية ابتداءً من أواخر الستّينيات بتصميمه ملابس غير مسبوقة، متقلّداً بذلك علناً منصب حليف المرأة الضاري. كما أكدّ بذلك أنّه وفي الحياة اليومية، يغّيّر عادات ملابسهنّ وهويّاتهنّ ويلتزم بشكل فعّال في مهمّة تمكين المرأة.
مع انطلاقته الثورية في مطلع الثمانينيات، والتول المبقّع والصوف المنسوج ثم المطرّز والمفحّم على التوالي على يد حرفيين يابانيين وإيطاليين وفرنسيين، إلى جانب الأنماط المطبوعة على الموسلين والجلد المقصوص على الليزر، وطبقات الدانتيل، أثبت أنّ الموادّ التي يستعملها جذورها راسخة في زمانه. انطلاقاً من براعته في التعامل مع الموادّ الجديدة، يلتقي حسّه الإبداعي بالاكتشافات في مجال الفيزياء أو علم الحركة، كما هي الحال في تلك الأقمشة التي في فنّ الأوريجامي لا يمكن ثنيها وإنّما يمكن أن تتمدّد. يُشار إلى أنّ عليّة يتحرّك قدماً ولا يمكن ردعه كما أنّه يجد في ثمار جهده الخاص الأسئلة التي يطرحها مفكّرو ذاك العصر. يعود ذلك إلى استخدام نقاط تحوّل تقنيّة غاية في الجرأة ومن خلال التحكّم بمعلومات حرجة جدّاً وبفضل ارتكاز عمله على قوانين جار العمل عليها. يظلّ عليّة، وبعيداً عن مهاراته التقنية المذهلة، مهندساً وشاعراً يسلك طريقه بين الهيكلة والإبداع.
من هنا، يجدّد دار Alaïa باريس من خلال ماء عطره، تأكيده على أن الجمال مطلق ويستمرّ عالم عزّ الدين عليّة الساحر في التمدّد فيما يقدّم بأسلوب بودلير الأصيل، دعوة خالدة إلى السفر.
المشروع
مرّة أخرى في هذا المشروع، أحكم عزّ الدين عليّة سيطرته بكلّ دقّة وبنفحة شخصيّة، على كلّ التفاصيل معتمداً على استشارة فريق من الخبراء الذين يزدادون تميّزاً في رفقته. مرة أخرى، أصدقاء مقرّبون وأصدقاء جدد من مثل ناتالي هيلويين كامل ونيكولا غودان و باولو روفيرسي، كارلا سوتزاني وجوينيفير فان سينس ومارتن سيكيلي إلى جانب ماري سالامان وجوليان ديس، اجتمعوا حول طاولة في لجان الابتكار بهدف صياغة كلّ العناصر التي ستبعث الحياة في العطر وتُضفي اللمسات الأخيرة على المشروع بأكمله. وبذكر المعطيات العديدة التي تلتقي لتشكيل عالم Alaïa، الذي يذكّرنا بمفهوم التوليف لدى بودلير، لا بدّ لنا مجدّداً أن نوقظ الشاعر من سباته الأبدي ليصدح بصوته.
كما الأصداء المترامية تمتزج في البعيد
في وحدة مظلمة وعميقة
شاسعة مثل الليل والضياء
تتجاوب العطور والألوان والأصوات
أثبت عليّة أنّه هو كما هو، لم يتغيّر باختياره نفحات باردة ومفاجئة وباتخاذه قرار أن يقدّم مفاجأة عطرية. مرّة أخرى، يتخذ دور الرائد ويفتح البوّابات لمشاعر غير متوقعة. الهرم العطري لماء عطره هذا عصري بامتياز ويعطي انطباع النضارة. يصرّ عليّة قائلاً: “إنّه ليس عطراً وإنّما ماء عطر“. ومرّة أخرى تحتلّ ألغازه الصدارة فقد قال: “علاوة على ذلك، التعطّر هو إنعاش النفس وهو لفتة اعتيادية للغاية تُكمّل الاستحمام”.
لكن القصة الكامنة وراء عطر Alaïa Paris هي أيضاً ثمرة لقاء غير متوقع لعطّارة شابّة، ماري سالامان، إحدى عطّاري الجيل الجديد من دار فيرمينيش. إنّها جريئة وصاحبة عزم وحماس، ما إن سمعت عن “موجز السيّد عليّة” (عبق الماء البارد يتساقط على الطبشور الساخن)، حتى هرعت للبدء بالبحث. بحسب قولها: “توصّلت بسرعة إلى تركيبة تبعث بهذا الشعور. اخترت نفحات مائية معدنية منعشة وتوصّلت إلى هذا الشذى بتجارب تدريجية أجريتها في أقلّ من يوم واحد. ثمّ انتابني حدس بضرورة مزجها بالتدرّج من النفحات الخفيفة إلى تلك الأعمق، بأسلوب أقلّ براءة فأضفت لمسة حيوانية بجعل المسك يعانق التركيبة”. من بين عدّة مشاريع قُدّمت لعليّة، وحده مشروع ماري أثار انتباهه. وجد المصمّم نفسه مرّة أخرى، بسبب حدسه الأصيل والنادر، على خلاف مع الزمن الحالي. قالت ماري سالامان في هذا السياق: “النفحة التي طلبها السيّد عليّة غريبة بكلّ ما للكلمة من معنى، فلا شيء يربطها بالعطور السائدة حاليّاً”.
الهرم العطري:
لمسة منعشة: نفحات هوائية وفلفل وردي
لمسة زهرية: الفريزيا والفاوانيا
لمسة البشرة العارية: نفحات حيوانية ومسك.
قصة عطر Alaïa Paris هي استمرار لعقود طويلة من التعاون، بفضل صداقة متينة تجمع عزّ الدين عليّة وكارلا سوتزاني التي رافقت مسيرة المصمّم لعقود. معاً خطّطا لابتكار ماء العطر. ومعاً صقلا عمليّة تحضيره خطوة بخطوة.
قصة عطر Alaïa Parisهي أيضاً قصة تعاون مثمر بين Alaïa وشركة BPI (بوتيه برستيج إنترناسيونال). أقامت هذه الشركة العديد من الشراكات المتميزة مع بعض أعظم مصمّمي الأزياء في العالم، الذين ابتكروا عطوراً أسطورية حازت على شهرة عالميّة. وقد ساهمت ناتالي هيلويين كامل (الرئيس التنفيذي للعلامة التجارية) في BPI إلى جانب فرق عمل BPI، في هذا المشروع بإلمامهم الواسع في عالم الجمال وخبرة عقود طويلة من تنفيذ عطور المصمّمين.
ماذا عن القارورة؟ وضع تصوّرها المصمّم مارتن سيكيلي بحيث رغب أن تصبح “موضع هوس المرأة”. بعد تصميم مارتن سيكيلي تحفة Black Mirror الصافية والغريبة والتي تختزن معانيَ كثيرة، ابتكر قارورة من الزجاج الأسود الشفّاف الثقيل والثمين (ما بين النيازك والحصى المصقولة)، وزيّنها من الأمام والخلف بشعار عليّة الشهير المحفور بالليزر، النمط الذي ذاع صيته ما إن ظهر لأوّل مرّة على مشدّ خصر جلدي في التسعينيّات. ماذا عن الغطاء؟ يتضارب مع القارورة وكأنّه يقصد لفت الأنظار إليها. إنّه احتفاء بحرفية Alaïa ويجسّد بكرة خيط ذهبي تبدو وكأنّها تهمّ بالرفرفة، مصنوعة من الزمك والذهب الوردي. ماذا عن الغلاف؟ يتميّز بإطار أسود ناعم وباللون العاري، لون بيج زهري قوي يستحضر إلى الذهن لون البشرة، وأهو أحد الألوان التي يهواها المصمّم.
الإعلان
في فستانها المتموّج والمتلألئ
تمشي بتمايل وكأنها ترقص
اختار عزّ الدين عليّة للصور، من بين فساتينه الأسطورية، فستان “houpette” المُخاط من القماش المطّاطي والموسلين الرقيق mousse de viscose duveteuse من مجموعة ربيع وصيف العام 1994. فستان يجسّد أوّل الفساتين المؤلّفة من أشرطة، مستوحى من المومياوات المصرية ومصُمّم في مطلع الثمانينيّات. يعرّي هذا الفستان الطويل والمتموّج، الكتفين بياقته الملكيّة ويلفت الأنظار إلى الرقبة. يمتدّ شريط أبيض على طول الفستان وتعانق الجسم أشرطة سوداء أفقية ومائلة، فينحت بذلك شكل الوركين ويكشف نحول الخصر فيحوّل المرأة إلى آلهة قاتلة بفتنتها وكأنّه يخطّ لها قصيدة من الذهب والحبر الأسود”.
تفترض طريقة العرض توازياً بين المرأة والقارورة، بين شعرها والغطاء. زاد جمالها جمالاً تحت عدسة المصوّر ذي الموهبة الفذّة باولو روفرسي وباحت بسرّها موسيقى المؤلّف نيكولا جودان كما زادها رفعة مصمّم الشعر الألمعي جوليان ديس. وبالتالي تخرج كلا المرأة والقارورة من الظلمة على مهل وتفشيان بتجربتهما الثمينة بكلّ غموض. ويبدو وكأنّهما باتتا مفتاحين لبوّابات العالم الأسطوري الضخمة، عالم المصمّم. باولو روفرسي أحد أهمّ مصوّري أزياء عصره يصف هذه التقنية كسلسلة من عمليّات الطرح. “تودّع، تبتسم، ينتابك الخوف. أحاول نزع كلّ هذه الأقنعة وأطرح كلّ شيء رويداً رويداً حتى يتغربل الصافي وحده. نوع من التخلّي، نوع من الغياب”. يُعدّ روفرسي فعلاً صائغ نور أصيل فقد ابتكر في هذه الصورة نموذج جمال حقيقي.
جوليان ديس الذي ابتكر تصفيفات شعر جميلة ونابعة من الأحلام لعدّة عروض أزياء، هو في الوقت نفسه مصوّر ورسّام. لم يركّز هذه المرّة كثيراً على الشعر نفسه وإنّما على تخيّل فكرة تصفيفة. إنّه مصمّم شعر جوينيفير الذهبي الرائع وطوقها الذهبي.
جوينيفر فان سينس عارضة أزياء وُلدت في بوسطن وقدّمت جمالها القوطي والجذّاب الذي يجمع بعضاً من الذكورية والأنوثة، للصورة الدعائيّة لهذا العطر.
أمّا الموسيقي نيكولا جودان فألّف موسيقى الفيلم. جلب من دراسته لفنّ العمارة إلى الموسيقى موهبة حقيقية في هندسة الأصوات، عند مفترق طريق بين الموسيقى الإلكترونية والسايكيديليك روك. يرافق ظهور عطرAlaïa Paris بنوتاته المفاجئة التي تمثّل الهرم العطري خير تمثيل.